وحين وصلت إلى مكانها، كان النبىّ وأصحابه قد بعدوا عنها، وهم على يقين من أنها فى هودجها، على راحلتها التي يقودونها معهم..
والذي صنعته أم المؤمنين عائشة فى تلك الحال، هو أنها جلست فى مكانها، تنتظر عودة من يعود إليها من القوم، بعد أن يفتقدوها فى الرحل، فلا يجدوها..
وكان من العادة أن يتخلّف وراء القوم من ينتدبونه، لينظر.. إذا استبان النهار- فيما خلّفوه وراءهم من أدواتهم، وأمتعتهم، فيلتقطها، ويحملها معه إلى أصحابها.. وذلك أنهم كانوا يرتحلون ليلا، فتندّ عنهم بعض الأشياء التي يحجبها الظلام عنهم..
وقد كان «صفوان بن المعطل» - رضوان الله عليه- هو المنتدب لهذه المهمّة.. فلما استبان ضوء النهار، وجاء حيث كان منزل الرسول وأصحابه فى تلك الليلة، رأى سوادا، لم يتبيّنه أول الأمر، وظنّه متاعا من أمتعة القوم، فلما داناه رأى كائنا يتحرك فى داخله- وكان الحجاب قد ضرب على نساء النبىّ- فلم ير لأم المؤمنين، وجها، ولكنه عرف أنها أم المؤمنين، فاسترجع، ثم أناخ لها بعيره، فركبته، وقاده بها حتى أدرك النبىّ وأصحابه فى بعض الطريق..
دون أن ينطق بكلمة.
هذا هو مجمل القصة..
ولكن المنافقين- وعلى رأسهم عبد الله بن أبىّ بن سلول- أخذوا يتهامسون ويتغامزون، ثم تحول همسهم وتغامزهم إلى اتهام صريح لأم المؤمنين، على هذا الصحابي الجليل، صفوان بن المعطل.! ثم أخذ هذا الحديث يدور فى المدينة، والمنافق عبد الله بن أبىّ ينفخ فيه، حتى أصبح نارا مشتعلة، علقت بأذيال المسلمين، وأكلت كثيرا من القلوب المؤمنة.. كما أنها أكلت ما بقي من إيمان فى قلوب المنافقين والذين فى قلوبهم مرض!