أغوتهم وأضلتهم، وخيّل إليهم منها أنها أعمال مبرورة، وأنها غرس فى مغارس الخير والإحسان.. وهى فى حقيقتها أشبه بالسراب، يلمع فى «قيعة» - جمع قاع- وهو الأرض الفسيحة التي لا زرع فيها..
وفى قوله تعالى:«يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً» إشارة إلى خداع النفس، بعد خداع البصر بهذا السراب، فإن لهفة الظمآن، وحرارة شوقه إلى الماء، تغطّى على عقله، فيخال السراب ماء، مثله كالخائف المذعور، فى سواد الليل ووحشته، يمثّل له الوهم أشباحا تطلع عليه من كل أفق، تريد الانقضاض عليه والفتك به.
وإلى هذا السراب يشتد طلب الظمآن، ويسعى حثيثا لاهثا إليه، وكلما قطع مرحلة وجد السراب يتحرك أمامه ويفلت من بين يديه، وهكذا حتى تتقطع أنفاسه:«حَتَّى إِذا جاءَهُ» ووصل إلى حيث كان يظن أنه الماء «لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً» ! فتتضاعف لذلك حسرته، ويشتد يأسه، وتتقطّع أنفاسه، وتغلى مراجل غيظه وظمئه..
وليس هذا وحسب، بل إنه سيجد هناك من يمسك به، ويقوده إلى موقف الحساب على ما كان منه من كفر، وضلال.. «وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ.. فَوَفَّاهُ حِسابَهُ.. وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ» ! فالكفر يمحق كلّ عمل وإن كان من باب الخير والإحسان.. لأن كل عمل لا يزكّيه الإيمان، هو أشبه بالميتة، لا يؤكل لحمها، وإن كانت من أطيب الحيوان لحما! قوله تعالى: