هو مثل آخر، تشبه به أعمال الكافرين، بعد أن شبهت بالسراب.
والفرق بين المثلين، أن السّراب صورة تمثيلية لما يراه الكافرون فى أعمالهم وهم فى الحياة الدنيا، حيث يرونها فى صورة حسنة معجبة.. وهى فى حقيقتها سراب يخدعهم، ويدفع بهم فى طريق الغواية والضلال، حتى تخمد أنفاسهم، ويسلمهم هذا السراب إلى القبر، وما وراء القبر من حساب، وعقاب.. والله سبحانه وتعالى يقول:«أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً» . (٨: فاطر) وهنا فى هذا المثل، تطلع عليهم أعمالهم هذه فى الدار الآخرة، حيث يلتمسونها، فيجدون أنهم غارقون فى ظلام مطبق، لا يرى فيه أحدهم يده، إذا أخرجها من كمّه، وعرضها لعينيه.. فكيف يرى هذه الأعمال، التي كان يظنها أعمالا مبرورة محمودة؟ إنها قد استحالت إلى قطعة من الظلمات، فى كيان هذه الظلمات.. فليقتطع لنفسه قطعة من هذا الظلام إن أراد، وإن استطاع! «أَوْ كَظُلُماتٍ» كظلمات لا ظلمة واحدة، بل طبقات بعضها فوق بعض من مادة الظلام «فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ» أي متلاطم الموج، حيث يتعالى الموج، ويركب بعضه بعضا، فإذا سواده الكثيف يلتقى مع هذه الظلمات المطبقة على هذا البحر اللجىّ «يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ» أي يغطى هذا البحر موج، وفوق الموج، موج، وفوق الموج، سحاب، هو موج فوق موج.. وهو «ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ» .. وأنّى لمن تركبه هذه الظلمات أن يعرف طريقا إلى النجاة والخلاص؟ إنه لا يكاد يرى يده التي يمدّها إلى حبل النجاة إن كان هناك حبل! إن هذا الظلام يكاد ينعقد عليه، ويلبسه من قمة رأسه