للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى:

«وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ» - أي إن هؤلاء المنافقين، إذا كان حكم الإسلام فى أمر من الأمور العارضة لهم، مما يتفق مع مصلحتهم، جاءوا إلى الرسول مذعنين، أي مطيعين، معلنين الولاء لله، ولرسوله، يطلبون أن يأخذهم بحكم الإسلام، لأنه يجرى مع مصلحتهم، ويلتقى مع حاجتهم..

قوله تعالى:

«أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ؟ أَمِ ارْتابُوا؟ أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ؟ .. بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» .

الاستفهام هنا هو تقريرى، يكشف عن العلل، التي تموج بها صدور أولئك المنافقين.. فليس داء واحدا هو الذي يخامر المنافق.. وإنما هو يعيش فى أكثر من داء، مما فى قلبه من مرض.

وهذا المرض الذي فى قلبه، من شأنه أن يفسد كلّ معتقد.. فلا يعتقد المنافق فى صحة رأى أو فساده إلا بالقدر الذي يجنى منه نفعا عاجلا.. إنه لا ميزان عنده لخلق، أو رأى. أو دين.. إنه يدين بالدين الذي يمشى مع هواه.. ومن هنا، فهو فى ارتياب من كل شىء.. يلقاه مترددا متشككا، ويقلّبه، كأنما يراه لأول مرة، ولو كان قد مرّ به ألف مرة.. لأن له فى كل مرة حالا معه، ورأيا فيه..

ومن هنا جاءت العلة الثالثة التي تسكن فى قلوب المنافقين، وهى تخوفهم من أن يحيف الله عليهم ورسوله، إذا هم احتكموا إلى كتاب الله.. فكتاب الله ميزان واحد.. وهم إنما يجرون أمورهم على موازين لا حصر لها.. وكل حكم لا يتفق مع أهوائهم، هو عندهم جور وحيف.. فهم يضعون أحكام الله موضع الاختبار والامتحان، ولا يجيئون إليها مستسلمين راضين بما يقضى

<<  <  ج: ص:  >  >>