الغثّة الباردة حوله.. لقد أخزاهم قولهم فيه:«إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ» .. وقولهم:«أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» - لقد أخزاهم هذا القول، ولم يجدوا له بينهم أذنا تسمع، أو إنسانا يصدّق.. فجاءوا إلى ما حول القرآن، لا إلى القرآن نفسه، إذ لم يجدوا للزّور فيه مقالا، وبدا لهم أن الصورة التي ينزل عليها القرآن، يمكن أن ينظروا إليها على أنها دليل على العجز، والقصور، وعلى معاودة النظر، ومعاناة البحث، حتى يقع النبىّ على الكلمات المناسبة، والظرف المناسب، ثم يطلع على الناس بها.
هذا، وإلّا لماذا جاء هذا القرآن منجّما هكذا، تتنزّل آياته قطرات قطرات، ولا تنزل جملة واحدة؟ إنه لو كان هذا القرآن من عند الله لأنزله الله جملة واحدة، إذ أن قدرة الله لا يكون منها هذا العجز البادي فى نزول القرآن قطعا متناثرة! .. هكذا فكروا وهكذا قدّروا.. وإنه لبئس التفكير ولبئس التقدير! وفى قولهم «نُزِّلَ» بدل أنزل، الذي يناسب قولهم:«جُمْلَةً واحِدَةً» .
لأن «نُزِّلَ» يفيد تقطيع الفعل، ووقوع النزول حالا بعد حال- فى قولهم هذا تعريض بالتهمة التي يتّهم بها القرآن عندهم، وهو أنه نزّل لا أنزل، فهم يحكون الصورة التي نزل عليها القرآن، ثم ينكرونها بقولهم:«جُمْلَةً واحِدَةً» ..
وقد ردّ سبحانه وتعالى عليهم هذا الإنكار، مبيّنا الحكمة من نزول القرآن منجّما، على هذا الأسلوب، بقوله سبحانه: