هذا الوجود، حيث ترى في لقاء الماء بالماء قدرة القادر الحكيم، فى عزل أجزاء هذا السائل المائع، الذي يشبه الهواء في سيولته.. فالماء الملح في جانب، والماء العذب الفرات في جانب، وهما حيث ترى العين، ماء واحد، لا يعرف أيهما هذا أو ذاك، إلا بالمذاق باللسان..! فما أروع هذه القدرة، وما أعظم سلطانها الذي يحجز هذين السائلين بعضهما عن بعض، فلا يطغى أحدهما على الآخر، ولا يختلط العذب بالملح.. وفي هذا يقول الحقّ جلّ وعلا:«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ»(١٩- ٢٠: الرحمن) .
وفي هذا المثل صورة للمجتمع الإنسانى، حيث الأخيار والأشرار، والمؤمنون والكافرون، والهواة والضالون.. إنهما في محيط حياة واحدة، حيث يموج بعضهم في بعض، وحيث تتشابه وجوههم وصورهم، تشابه الماء والماء، ومع هذا فإن بين الأخيار والأشرار، حجاز، وبرزخ، أشبه بهذا البرزخ غير المنظور، الذي يحجز بين الماء والماء:«هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ» .
[الماء والماء. والناس والناس] ومن إعجاز القرآن الكريم، ما تكشف عنه هذه الآية، من روعة التصوير، ودقة التمثيل، فيما بين مجتمع الماء والماء، والناس والناس:
فأولا: هذا التشابه في الصورة بين الماء العذب، والماء الملح، وبين الأخيار والأشرار من الناس.. وأن التطابق يكاد يكون تامّا في الظاهر، بين المتناقضين، فى كل من وجهى الصورة.. فعلى أحد وجهيها، ماء عذب فرات، وماء ملح أجاج، وعلى الوجه الآخر.. مؤمنون، أخيار،