الصميم من الواقع، واللباب من الحدث، وإن يكن قد ترك ما ترك من حواش وأطراف، وزوائد، وقشور! وأما القول بأن القرآن قد تحدث بلسانه العربي، عن ألسنة غير عربية، أو نطق بلسانه العربي عن دلالة الحال، كما في تحديثه عن الجماد والحيوان، فهذا لا يمكن أن يحىء منه الادعاء بأن القرآن قد تقوّل على من نطق عنه.. وإنما هذا الذي نطق به القرآن، مترجما به عما نطق الناطقون، أو نطقت به دلالة الحال- إنما هو المضمون الحق، والمحتوى الصادق الأمين، لما تلبّست به الخواطر، وجمجمت به الصدور، قبل أن تنطق به ألسنة المقال، أو تهمهم به ألسنة الحال..
فإذا جاءت كلمات الله ناطقة بما نطقت به ألسنة الحال أو المقال، كانت تلك الكلمات هي الصورة الكاملة- روحا وشكلا، ومضمونا ومحتوى- لما نطق به الناطقون، ولما أراد أن ينطق به الناطقون، وأعجزهم العجز عن النطق به! ثم ماذا يمكن أن يكون غير هذا في مثل هذه الأحوال، إذا أريد نقلها وعرضها للحياة؟
أكان من التدبير الحكيم هنا أن يجىء القرآن الكريم بالأشخاص والأحداث، فيبعثها من مرقدها، ويحركها على مسرح الحياة من جديد، لتنطق بما كانت قد نطقت به، أو لتشير إلى ما كانت قد أشارت إليه؟
إن قدرة الله- سبحانه وتعالى- لا يعجزها شىء. ولكن أتحمل الحياة هذا، لو أنه حدث؟ وهل يلقاه الناس فلا يفتنون به، ولا يخرجون عن عقولهم، فى تخبط مجنون؟ ثم لو استمع العرب إلى هذه المقولات التي نطق بها