أصحابها، كما نطقوها بألسنتهم، أو خواطرهم- أكانوا يفهمون شيئا، أو ينتفعون مما استمعوا بشىء؟
إن القصص القرآنى- لكى يكون قصصا نافعا مثمرا- قد جاء على سنّة الحياة التي يحياها الناس، ولم يخرج على مألوفها، ولو جاء على غير هذا لما كان للناس التفات إليه، ولو أنهم التفتوا إليه لما كان منهم إلا الاضطراب والبلبلة.!
فالناس، يتداولون الأنباء، ويروون الأخبار، ويتناقلونها، على تعدد الأشخاص، واختلاف الألسنة.. ثم لا يكون شىء من ذلك التعدد وهذا الاختلاف، حائلا بينهم وبين أن يفيدوا منها، وينتفعوا بها، ويخلصوا إلى مضامينها.
وغاية ما يمكن أن ينظر إليه في هذه الأحوال، هو الصدق فى الرواية، والأمانة في النقل، والدقة في التصوير والتعبير.
وإنه إذا كان هناك ملتمس تلتمس فيه هذه الغاية، على أتم تمامها، وأكمل كمالها، فلن يكون ذلك، إلّا في القرآن، وفيما نطق به القرآن، وإلا في كلمات الله، وما نطقت به كلمات الله.. «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا؟» ..
«وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً؟» .
إن القصص القرآنى، وإن يكن سماويّ المطلع، فهو بشريّ الصورة، إنسانيّ المنازع والعواطف، يتحدث عن الناس إلى الناس، ويأخذ من الحياة للحياة.. يقرؤه الناس ويسمعونه، فكأنما يقرءون أطواء نفوسهم، ويسمعون همس ضمائرهم، ووسوسة خواطرهم.. ومن هنا، فهم يحيون معه، وينتفعون به انتفاع الأرض يصوبها الغيث، فيقع منها مواقع مختلفة، بين وديان وسهول، وجبال وقيعان، وأحراش وسهوب، وخصب وجديب!