وفي عطف «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ» على قوله تعالى: «وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ» - أمران:
أولهما: الإشارة إلى التقاء الهدى والضلال في نفوس المشركين، لقاء موافقة وائتلاف، إذ لا فرق بين الهدى والضلال عندهم، وأن النور الذي يساق إليهم من الآيات سرعان ما يشتمل عليه الظلام، ويمتزج به.. فما تبين للقوم من مساكن القوم، وما في ذلك من دلائل تدعو إلى الإيمان واتباع سبيل المؤمنين- قد اختلط بما وسوس لهم به الشيطان، ثم سرعان ما اختفى هذا البيان، الذي استبان لهم، واستولى الشيطان عليهم، فصدهم عن سبيل الله..
وثانيهما: العدول عن الخطاب إلى الغيبة في قوله تعالى: «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ» .. هو لعزلهم عن مقام الخطاب، وما فيه من تشريف، ووضعهم بالمكان الذي يشار إليهم منه، حيث يسمع المؤمنون حكم الله، تعالى فيهم بقوله:«وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ» ..
فالخطاب كان عاما للمؤمنين والمشركين، فى قوله تعالى:«وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ» .. ثم كان خطابا خاصا بعد ذلك للمشركين «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ» فلم ينتفعوا بما رأوا من آثار القوم الهالكين، فصدهم عن سبيل الله، فى حال استبصارهم، ووضعهم أمام تلك الآيات المبصرة. كما يقول سبحانه:«هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ»(٢٠: الجاثية) .
ولو أنه قد جاء النظم على أسلوب الخطاب، لكان المؤمنون داخلين في- قوله تعالى:«وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ» إذ لو جاء النظم هكذا. «وزين لكم الشيطان أعمالكم» لكان الحكم عاما، يشمل المؤمنين وغير المؤمنين..