وبعدها ينكشف الأمر، فماذا لو ظلت الحال على ما هى عليه، فلم تقع حرب بين الروم والفرس خلال هذه السنوات المعدودات؟ وماذا لو وقعت حرب بينهما ثم دارت الدائرة فيها على الروم مرة أخرى؟ أيكون لمحمد وجه يلقى به الناس بعد هذا؟ أو يجد محمد بعد هذا أذنا تسمع له، أو إنسانا يصدق له قولا؟
والحق أن هذا صحيح.. فلو أنه لم تقع حرب بين الفرس والروم خلال هذه المدة المحدودة، المحصورة في بضع سنين، ثم لو وقعت هذه الحرب ولم يكن النصر والغلب للروم على الفرس فيها- لو أنه لم يحدث هذا، لما كان لمحمد ولا لدعوة محمد مكان في هذه الدنيا، ولذهب كل شىء، ولا ختفى كل أثر لمحمد، ولدعوة محمد إلى الأبد!.
إنها دعوة قائمة على أنها من عند الله، وأن محمدا، يتلقى آياتها وكلماتها من ربه ... وهذا يعنى أنها الصدق الذي لا تعلق به شائبة من كذب، وأنها الحق الذي لا يلم به الباطل أبدا.. فإذا طاف بهذا الكلام طائف من الكذب، أو علق به ولو ذرّة من شك وارتياب- كان ذلك واقعا بين أمرين، لا ثالث لهما:
إما أن يكون هذا الكلام من عمل محمد، ومن مقولاته التي يتصيدها من هنا وهناك.. وإذن فهو كاذب فيما يدعيه من أنه رسول الله، وأنه يتلقى هذا القرآن، وحيا من ربه.. وإذن فقد بطلت دعواه بأنه رسول من عند الله ...
وإما أن يكون هذا الكلام، وحيا كما يقول محمد، ولكنه ليس وحيا من عند الله، وإنما هو مما تلقيه الشياطين، على بعض الناس، كالعرافين،