والشعراء.. وإذن فقد بطلت دعواه أيضا بأن ما يحدثهم به هو وحي من عند الله ... لأن الله لا يكذب، ولا يفترى!.
والحق أيضا أن هذه الآيات، وما حملت من هذا الغيب، الذي أذاعته في الناس جميعا، والذي ترددت أنباؤه على أسماع الناس في الجزيرة العربية، وما فيها من مشركين وأهل كتاب، بل وربما جاوزت الجزيرة العربية إلى فارس والروم. الحق أن هذا كان تحديا للناس جميعا، بهذه المعجزة المادية المحسوسة ... وقد كان ذلك فيما يبدو- فى ظاهر الأمر- مغامرة انتحارية من محمد، كما كان فرصة للذين يرصدون دعوة محمد، ويريدون أن يعرفوا على وجه اليقين، مبلغ صدقها أو كذبها.
وكعادة المشركين الضالين، الذين استقبلوا الدعوة الإسلامية من أول يومها بإعلان الحرب عليها، من قبل أن ينظروا في وجهها، وأن يتبينوا دلائل الحق التي بين يديها- كعادتهم في مواجهة الدعوة الإسلامية بالكفر والعناد، استقبلوا هذه الآيات بالهزء والسخرية، وأقبلوا إلى المسلمين يسلقونهم بألسنة حداد، بما عرف فيهم من لجاج ولدد في الخصومة.. فما هذا الخبر الذي حملته الآيات، إلا وعدا كتلك الوعود الكثيرة التي أوسع لها محمد في الأجل، فجعلها في عالم آخر، نصب فيه موازين الحساب والجزاء، وأقام في ساحاته الجنة والنار ... وإذا كان في هذا الوعد الجديد شىء، فهو في قرب الأجل المضروب له ... وهذا القرب هو في ذاته دليل على كذبه، وأنه ليس من عند الله ...
إذ لو كان عن إرادة نصر من عنده لأهل الكتاب على المجوس- لكان ذلك أمرا منجزا، ولما كان لله أن يؤخره بضع سنين ... إذ لا داعية لهذا التأخير، ما دامت قدرة الله حاضرة قادرة أبدا.. بل وأكثر من هذا، فإن هذا النصر لو كان إرادة لله لما وقعت الهزيمة أصلا بالروم، ولكان