وفي تعدى اسم الفاعل:«هاد» بحرف المجاوزة «عن» - إشارة إلى أنهم عاكفون على الضلال، لا يتحولون عنه أبدا، ولا يتجاوزون حدوده، ولهذا ضمّن الفعل «هدى» معنى الفعل، صرف، أو أبعد، أو نحو هذا، مما يحتاج إلى مدافعة ومعاناة.. وهذا يعنى أنه ليس من شأن النبي أن يحمل هؤلاء العمى حملا على أن ينقادوا له.. ولهذا جاء قوله تعالى بعد ذلك:«إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا» محددا وظيفة النبي، وضابطا منهج دعوته.. وهو أن يعرض دعوته، ويتلو آيات ربه، ويسمع كلمات الله، بإبلاغها إلى الناس، فيسمعها، ويستجيب لها، من هو مستعد للإيمان، لم تفسد فطرته، ولم يختم الله على سمعه وقلبه، ولم يجعل على بصره غشاوة.. ولهذا أيضا جاء قوله تعالى «فَهُمْ مُسْلِمُونَ»
تعقيبا على قوله تعالى سبحانه:«إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا» ليكشف عن السبب في استماعهم لآيات الله، وإيمانهم بها. وهو أنهم مسلمون بفطرتهم، واستعدادهم، قبل أن يلتقوا بالدعوة النبوية، وقبل أن يدعوا إلى الإسلام فلما التقوا بالنبي، وبدعوة الإسلام، صافح الإسلام الذي في فطرتهم، الإسلام الذي دعو إليه..
«وإن» فى قوله تعالى: «إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا» نافية، بمعنى «ما» .. أي ما تسمع إلا من يؤمن بآياتنا، أي من هو مستعد بفطرته للإيمان..
المندسّ في كيانه.. أما من فسدت فطرته، فلن تجاوز كلمات الله أذنه.
وفي عود الضمير على الاسم الموصول:«من» مفردا وهو فاعل (يؤمن) ، ثم عوده إليه جمعا هكذا:«إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ» - إشارة إلى أن الإيمان شأن من شئون الإنسان خاصة، فهو الذي يحصّل الإيمان بنظره الشخصي وبتقديره الذاتي، وبما يقع له من اقتناع عقلى، واطمئنان قلبى..
فإذا آمن، شارك غيره في صفة الإيمان، وكان واحدا من جماعة المؤمنين