وبعد أن كشف لقمان لابنه عن قدرة الله، وعلمه، وحكمته، دعاه إلى عبادته، حتى إذا عبده كانت عبادته عن علم ومعرفة بمن يعبد.. وذلك مما يعطى العبادة مفهوما صحيحا، فيخشع لها القلب، وتسكن بها الجوارح، وتنتعش بها المشاعر.. أما العبادة التي لا تقوم على علم، فهى كالزرع الذي لا يقوم على سوق، أو جذور.
والصلاة، هى رأس العبادات في كل شريعة، وهى عمود الدين، فى كل دين.. ولهذا كان مقامها هنا هو المقام الأول:«يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ..» ..
ثم جاء بعد ذلك، ما تعطيه الصلاة من ثمر، وهو إصلاح كيان الإنسان، وتنقيته من الشوائب والأدران، فيصبح رسولا كريما من رسل الهدى والخير فى الناس، حيث ائتمر بالمعروف، وانتهى عن المنكر، وهذا ما يدعوه إلى أن يكون داعيا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، إن لم يكن بلسانه، فيعمله، وبما يجد الناس فيه، من الأسوة الطيبة والقدوة الصالحة!! فمن ائتمر بالمعروف وانتهى عن المنكر، كان أشبه بالمرآة الصقيلة يرى الناس عليها وجه الخير والإحسان، فيتمثلونه ويتخذونه قدوة لهم.
وقوله تعالى:«وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ» .. إلفات إلى هذا الزاد الطيب الذي يتزود به الإنسان في الحياة، ويستعين به على الائتمار بالمعروف والانتهاء عن المنكر، وذلك الزاد، هو الصبر.. فإنه إذا قل حظ الإنسان من الصبر، فلن يجد العزم الذي يمضى به التكاليف ويقضى به الحقوق.
ولهذا كانت دعوة الإسلام إلى الصبر دعوة مؤكدة، حيث يستدعى الصبر عند كل عظيمة، ويهتف به عند كل أمر ذى شأن.. ففى ميدان القتال.. لا عدّة للمؤمن أعظم ولا أقوى من الصبر.. «وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ