وإذا تركنا جانبا، النظر فيما وقع فى الأناجيل من تحريف وتبديل، وقلنا إنها والقرآن على سواء فى صحتها وسلامتها- كان ظاهر الحال يشهد بأن كفّتها هى الراجحة فى هذه القضية، وأن الكلمة كلمتها فيما تقول فيها، وأن عدم ذكرها لكلام المسيح فى المهد يقطع بأن المسيح لم يتكلم فى المهد! إذ لو كان قد تكلم فى المهد لما كان هناك من سبب يدعو كتّاب الأناجيل إلى إغفال هذه الحادثة، التي تعلى من شأن المسيح، وترفع قدره، وتكاد تخرج به عن حدود البشر، وترفعه إلى مقام الملأ الأعلى- الأمر الذي يقوّى من دعوى أتباعه، بأنه هو الله أو ابن الله! .. بل وأكثر من هذا، فإن عدم ذكرها لهذا الأمر العظيم لدليل على أنها كانت تلتزم جانب الحق فى كل ما تقول فى المسيح، وأنها لم تقل فيه قولا لم يكن له، أو منه!! ولكن إذا أعدنا النظر فى هذه المسألة على ضوء الظروف والملابسات التي كتبت فيها الأناجيل، والتي تبدو واضحة لأدنى نظرة ينظر بها إليها- إذ فعلنا ذلك، رأينا أنه ليس ببعيد أن ينخرم من الأناجيل هذا الخبر، وأن يسقطه الذين كتبوها، من حسابهم، لأمر قدروه ولحساب حسبوه! ويمكن أن يعلل لذلك يعلل كثيرة.. منها:
أولا: أن الأناجيل قد كتبت فى وقت كان اليهود يشنّعون فيه على المسيح، ويلاحقون أتباعه، ويأخذونهم بالبأساء والضراء حيث وجدوهم.
ثانيا: قدّر كتاب الأناجيل أن الجوّ الذي يحيط بهم مشحون بالأكاذيب التي يطلقها اليهود فى جنون، حول المسيح وأمه. ويبهتون كل ما كان له من معجزات، ويدخلونها فى باب الشعوذة والدجل.. فليس معقولا والأمر كذلك.