نقول- والله أعلم- ليس معناه الرفض، عصيانا وخلافا.. وإنما معناه عدم موافقة طبيعة هذه العوالم لقبول هذا الأمر المعروض عليها.. فهو إباء عجز وقصور، كما عجز الملائكة عن قبول العرض في التعرف على أسماء الأشياء المعروضة عليهم.. وهكذا إذا اجتمع أمران لا توافق بينهما، ثم أريد اجتماعهما وتآلفهما من غير إرادة قاهرة- لم يجتمعا، ولم يأتلفا.. وهذا ما يشير إليه الشاعر فى قوله:
أبت الروادف والثّدىّ لقمصها ... مسّ الظهور وأن تمسّ بطونا
فهو إباء محكوم بالطبيعة، لا دخل للإرادة، أو التصنع فيه.. فحسن أن يشبه هذا الواقع منها بأنه إباء وامتناع.
وثالثا: إشفاق السموات والأرض والجبال من حمل الأمانة..
فهل هذا الأشفاق عن شعور وإحساس، وإدراك لفداحة الأمر وخطره؟
وإذا كان ذلك كذلك، فهناك إذن إدراك! وإذا كان إدراك لم يكن الإباء عن حمل الأمانة، إلا عصيانا وخلافا.. فكيف هذا؟.
الجواب- والله أعلم- أن هذا الإشفاق ليس عن إدراك وتقدير، وإنما هو- حركة يقابل بها الكائن- أي كائن من حيوان أو- جماد- ما يدخل عليه من شىء غريب يخرج به عن طبيعته التي أقام الله سبحانه وتعالى عليها وجوده..
فالمشفق من الشيء ينفر منه، وينقبض عنه..
وهذا- والله أعلم- هو السر في التعبير القرآنى:«وَأَشْفَقْنَ مِنْها» بدلا من «خفن منها» لأن الخائف مضطر إلى أن يتحرك، ويبتعد عن مصدر الخطر الذي يتهدد وجوده، بخلاف المشفق، إذ لا خطر يتهدده.. إنه أشبه بحلم مزعج من أحلام اليقظة!.