وهذه الكائنات لم تكن في عرض الأمانة عليها في مواجهة خطر يتهددها، إذ أنه مجرد عرض، لا إلزام معه.. فهى إما أن تقبل بطبيعتها الأمانة، وتستجيب لها، وإما ألا تقبلها، ولا تتجاوب معها.. ومع هذا فإن مجرد هذا العرض المجرد، قد هزها هزّا عنيفا بالغا، أشبه بما يكون من العين عند دخول جسم غريب إليها..
ورابعا: قوله تعالى: «وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» .
ما معنى «الواو» فى «وحملها الإنسان» ؟ هل هى واو عطف؟ فأين المعطوف عليه؟ أم هى واو الحال؟ فمن صاحب الحال؟ وما المعنى إذن؟
إذا قيل إنها واو العطف- كما يذهب إلى ذلك أكثر المفسرين- كان المعطوف عليه قوله تعالى «فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها» وحملها الإنسان..
المعنى على هذا، أن الإنسان كان داخلا في هذا العرض، وأنه بعض موجودات هذه الأكوان التي عرضت عليها الأمانة، وقد عجزت جميعها عن حملها، وأشفقت منها، إلا الإنسان وحده من بينها، فإنه قبل حملها بمشهد من الوجود كله في هذا الامتحان العام.
وإذا قيل إنها واو الحال- وهذا ما نراه- فيكون قوله تعالى:«وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» جملة حالية، ويكون صاحب الحال الضمير العائد على الأمانة في قوله تعالى:«فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها» .. ويكون المعنى: أننا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها» والحال أن الإنسان قد حملها!! وهذا المعنى يحقق أمورا:
أولها: أن قبول التكليف وحمل الأمانة طبيعة في الإنسان وأنه حال من