لم تكن من مادة الحياة فى عصر النبوة أو فى عصر الخلفاء الراشدين.. وقد فات الذين ينظرون إلى هذه الفنون من خلال عصر النبوة، أن هذا العصر كان يعالج النفوس، والقلوب والعقول، من آفات كثيرة علقت بها، وأنه لم يعرض للجوانب السليمة المعافاة من الأدواء فى كيان الإنسان، بل تركها تجرى على طبيعتها، وبقدر ما تحمل من طاقات وملكات! قوله تعالى:
تكشف هذه الآية عن حقيقة الجن، وتصحح تلك الصّور المشوهة التي وقعت فى أوهام الناس لهم، بنسبة الخوارق إليهم، وأنهم يقدرون على كل شىء قدرة مطلقة، وأنهم يعلمون الغيب، ولهذا يلجأ كثير من الناس إلى محاولة الاتصال بالجن، كما يفعل العرافون والسحرة وغيرهم، ففى قوله تعالى:«فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ» - إشارة إلى أن سليمان حين حان أجله، وقضى الله عليه الموت، أي أوجب عليه الموت حين جاء وقته، وكان سليمان حين مات، قائما بين الجنّ وهم بين يديه يعملون له- لم يعلموا بموته، وظلوا يعملون فيما أمرهم به..
ولم يدلّهم على أنه قد مات إلا دابة الأرض، التي كانت تأكل منسأته، أي عصاه التي كان يتكىء عليها.. فلما عبثت دابة الأرض بالعصا، زايلت موضعها، وسقطت على الأرض. وخر سليمان على الأرض كذلك.. وهنا علم الجن أن سليمان قد مات.. فأخلوا مكانهم، ومضوا إلى حيث يشاءون!! ولو كانوا يعلمون الغيب لعلموا أن سليمان قد مات، ولو كان بعيدا عنهم، فكيف وهو تحت سمعهم وبصرهم؟