للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرها يمكن أن يعلمها الجن، قبل أن يعملها الإنسان الذي فى الطرف الآخر من هذه الوقائع.. وهو فى الواقع ليس من علم الغيب، وإنما هو مشاهدة، حيث كان عن واقع محسوس يراه الجن رأى العين.. فهو حضور بالنسبة للجن، ولكنه غيب بالنسبة للإنسان البعيد عن موقع الحدث.. حيث يرى الجن- ولا نرى نحن البشر- ما وراء الأبواب المغلقة، أو الجدر القائمة، ونحوها..

وهذا غيب بالنسبة لنا، ولكنه حضور بالإضافة إلى الجن..

أما الغيب بالنسبة للجن، فهو الأحداث التي لم تولد بعد، ولم تخرج إلى عالم الشهود، كمقدّرات الله فى خلقه، وما يلقون على طريق حياتهم من خير أو شر.. كالعمر، والرزق والذرية، وغير ذلك مما هو مقدر على الإنسان..

ومثل الإنسان فى هذا سائر المخلوقات، وما قدّره الله لكل مخلوق.. فهذه المقدرات التي هى فى حالة كمون، لم تتحرك بعد إلى الظهور، لا يعلمها إلا علام الغيوب، وإلا من اصطفى من رسله، فأظهره على بعض ما انطوى فى صحف الغيب.

وموت سليمان بالنسبة للجن هو غيب، إذ أن الروح التي كانت تلبس سليمان وتضفى عليه الحياة، هى سر من أسرار الله، وغيب من غيوبه، وأمر من أمره، لا يعلمه إلا هو، فلما زايلت مكانها من سليمان، لم يشعر الجن بها، ولم يعلموا من أمرها شيئا، وحسبوا سليمان- وهو ميت- أنه فى غفوة، أو فى سنة من النوم.. فلما سقطت العصا التي كان يتكىء عليها، وخرّ ميتا دون حراك، علم الجن أنه مات، وتبين لهم من ذلك أنهم لا يعلمون الغيب، ولو كانوا يعلمون الغيب لعلموا أمر الروح التي زايلت سليمان، ولعلموا أنه مات، ولما لبثوا فى قيد التسخير والعمل يوما أو بعض يوم.. إنه عذاب مهين لهم، وإذلال لسلطانهم، وقهر لجبروتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>