الحق، ويهتدى إليه، لأنه شرارة من نور الحق، وقبس من أقباسه!.
ذلك، على حين كان العقل قبل الرسالة الإسلامية بمغزل عن معجزات الرسل، وبمنقطع عنها، لأنها لا تستقيم على منطق العقل، ولا تدخل فى مجال التفكير، إنها أمور خارقة للعادة، لا تقع إلا على يد رسول مؤيد من عند الله، فيقع بها الإعجاز القاهر، ويقوم بها التسليم القائم على الدّهش والحيرة، والعجز.
وذلك الذي صنعته السماء، فى التدرج فى الدعوة إلى الله، هو الأسلوب الحكيم فى التربية.. فالصغير لا يحتمل عقله أحكام المنطق، ولا يخضع تفكيره لمعطيات ما بين الأسباب والمسببات من ارتباط.. وإنه لمن الخطأ وسوء التقدير، بل ومن القسوة عليه، أن يؤخذ بمنطق العقل، ويحمل على أحكامه، على حين أن الذي يصلحه ويصلح له، هو أن يخاطب بلغة الحسّ، وبمنطق المادة.. فإذا نما عقله شيئا، كان من التدبير الحكيم أن يخاطب بأسلوب المنطق العقلي والحسّى معا، وأن يزاوج له بينهما، بنسب تكثر فيها العناصر العقلية شيئا فشيئا، كلما نما عقله، واتسعت مداركه، حتى إذا بلغ مبلغ النضج والرشد، أمكن أن يكون عقله هو موضع الاعتبار فى مخاطبته ومحاسبته..
والإنسانية- فى تقديرنا- بدأت وجودها كما يبدأ كل كائن حى وجوده.. نبتة صغيرة، ثم شجيرة لا زهر فيها، ثم شجرة مزهرة.. ثم شجرة مزهرة مثمرة! وشواهد التاريخ تؤيد هذا وتشهد له.
والإنسانية فى زمن البعثة المحمدية كانت- كما قلنا- فى آخر مرحلة من مراحل سيرها نحو النضج العقلي، والكمال الإنسانى.. كانت بمثابة طفل درج فى مدارج الحياة حتى بلغ مبلغ الرجال.. وكان عليه بعد هذا أن