المترف: هو من أبطرته النعمة حتى خرجت به عن حد الاعتدال، وأفسدته، وقتلت فيه معانى الإنسانية.. والمترفون هم آفة المجتمع فى كل أمة، وفى كل جيل، إذ فيهم ينشأ الفسق، والمجون، وكل ما من شأنه أن يغذى العواطف الخسيسة، ويوقفا الغرائز البهيمية، على حساب المطالب الروحية والعقلية..
فليس الغنى فى ذاته- كما يبدو- هو الذي يفسد الأخلاق، وإنما شأنه فى هذا شأن الفقر، قد يفسد، وقد يصلح.. إنه خير وشر.. وداء ودواء..
فمن أحسن سياسة المال، وعرف قدره، والمكان الذي يوضع فيه- صلح به أمره، واستقام به شأنه.. ومن اتخذ من المال وسيلة يصطاد بها ما توسوس به نفسه، وما يدعوه إليه هواه- فسد كيانه، وتهدم بنيانه، وتحول إلى كومة متضخمة من الشحم واللحم. تهب منها كل ربح خبيثة، تفسد المجتمع وتزعجه! وحين تنجم دعوة من دعوات الخير، يكون المترفون هم أول من يلقونها بالنكير، ويرجمونها بكل ما يقدرون عليه.. وما جاء رسول من رسل الله يدعو قومه إلى الهدى، حتى يتصدى له المترفون من قومه، يعلنون الحرب عليه، ويجمعون الجموع للوقوف معهم فى وجهه.. والله سبحانه وتعالى يقول:
«وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ» .. هذا هو ردّ المترفين على كل دعوة إلى الإيمان بالله، وتلك هى حجتهم عند أنفسهم وعند الناس.. إنهم بما يملكون من كثرة فى الأموال، وما عندهم من كثرة فى الأولاد والرجال، لن يكونوا تابعين لغيرهم، ولن يجعلوا لأحد كلمة عندهم، حتى ولو كان