الجنة التي وعد الله المتقين بها، ويقولون إنها جنّة حسيّة، تستجيب لشهوات الجسد، أكثر من استجابتها لمطالب الروح.. ثم إنها من جهة أخرى جنّة تافهة، لا تستحق أنه يعمل لها الإنسان فى دنياه هذا العمل الشاق الطويل، كى يلبس حريرا، أو يحلّى بذهب أو لؤلؤ، أو يشرب من نهر خمر، أو لبن، أو عسل، أو ينال من لحم طير أو نحوه.. إن ذلك كله موجود فى الدنيا، بل هو أقلّ ما يوجد فيها.. هكذا.. يقولون! ويردّ على هذا من وجوه..
فأولا: ليس هذا هو كلّ نعيم الجنة التي وعد به المتقون، وإنما هو- كما قلنا- شىء قليل قليل إلى كثير كثير، لا حصر له، مما لم تره عين فى هذه الدنيا، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر..
وثانيا: أن هذا الذي يساق إلى أهل الجنة من نعيم الدنيا، ليس فرضا عليهم، وإلزاما لهم، بل هو استجابة لمطلب كان لهم فى الدنيا، وعزّ عليهم الحصول عليه.. وأنه لكى تتم سعادتهم، ولكى يدركوا أن ما فاتهم فى دنياهم لم يكن إلا شيئا تافها إلى هذا النعيم الذي أعدّه الله لهم- كان وضع هذا المتاع الدنيوي بين أيديهم، إزاء ما فى الجنة من نعيم.
وثالثا: ليس هذا النعيم جسديّا، بل إن الرّوح لتجد راحتها وسعادتها فى حصولها على ما حرمت منه، ولو كان أمرا ماديا فى ذاته.. كما يقع ذلك للروح فى عالم الأحلام.. إن ما يقع فى الأحلام من أمور تستجيب لرغبة الإنسان، هى مما يسعد نفسه، ويرضى مشاعره..