«وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ» أي أن القمر يأخذ كل ليلة منزلا من الأرض، على مدى شهر قمرى، ففى أوسط منازله يبدو قمرا منيرا، يغمر نور الشمس وجهه كله المواجه للأرض، المتوسطة بينه وبين الشمس، فيرى بدرا كاملا، ثم يرجع إلى الوراء منزلة كل ليلة، وذلك لبطء دورانه عن دوران الأرض، فيقلّ مع كل ليلة أو منزلة، الوجه المقابل منه للشمس، ويظل يتناقص شيئا فشيئا مدة نصف شهر قمرى، حتى يكون وجهه المواجه للأرض متوسطا بين الأرض والشمس، وهنا يكون وجهه المواجه للشمس مضيئا بضوئها، على حين يكون وجهه المواجه للأرض معتما، فإذا نزل منزلته فى آخر ليلة لم ير من وجهه شىء، وسمى محاقا، لأن نوره الذي كان يبدو منه قد محق.. ثم يبدأ يولد من جديد.. فإذا كانت الليلة الأولى أو المنزلة الأولى لمولده، لم ير منه إلا قوس صغير، أشبه بقلامة الظّفر، ويسمى هلالا، غائرا فى الشفق، فيختلط الضوء القليل الذي يبدو منه بحمرة الشفق، فيكون له تلك الصورة التي صورها له القرآن الكريم أدق تصوير وأروعه، حين شبهه بالعرجون القديم..
والعرجون، هو عذق النخلة، الذي يحمل النمر، ومنه تتدلى عناقيد النمر، ولونه أصفر، فإذا جفّ، وطال عليه الزمن تقوس شكله وصار لونه ضاربا إلى الحمرة الداكنة.. وهذه التحركات والتغيرات التي تظهر على وجه القمر ليلة بعد ليلة، جديرة بأن تستثير التفكير والتأمل، وأن تدعو العقل إلى النظر فيما وراء هذه المنظر الظاهر للقمر، إلى وضعه فى المجموعة الشمسية، وإلى صلته بالأرض، وإلى إمكان الوصول إليه، ولو على سبيل الفرض أولا، ثم اتخاذ الأسباب التي يمكن تحقيق هذا الفرض بها.. إن الملاحظة للشىء، هى الطريق الطبيعي