«يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ» .. أي ومما يطرف به أصحاب الجنة، أنّه يطوف عليهم السّقاة بكئوس صافية الأديم، كأنها الماء يتفجر من «معين» أي من عيون.. والطائفون، هم غلمان مخلدون، كما يقول سبحانه:«يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ»(١٦- ١٧ الواقعة) ..
وقوله تعالى:«لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ» أي ليس فى الشراب الذي تحمله هذه الكأس، مما يغتال العقول، ويذهب بصوابها، كما تفعل الخمر برأس شاربها.. «وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ» أي لا يصدّون عنها، ولا يزهدون فيها، لأنها لا تستنزف لذتهم منها، بل تظلّ هكذا لذة دائمة موصولة.. وقد جاء فى قوله تعالى:«لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ»(١٩: الواقعة) جاء بكسر الزاى، بنسبة الفعل إليهم، على حين جاء فى الآية السابقة بفتح الزاى «ينزفون» بنسبة الفعل المسلّط عليهم إلى غيرهم..
وذلك ليجمع بين صفتهم، وصفة الخمر التي يشربونها.. فهى من شأنها أن تمسك شاربها عليها، لطيبها وحسنها، ولذتها.. وهم- بما أودع الله فيهم من قوّى- يتقبلون هذا النعيم، فلا يزهدون فيه أبدا..