«رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ» وهنا يجد إبراهيم نفسه وحده، بعيدا عن الأهل والوطن.. وقد خلا قلبه من الاشتغال بأمر قومه، فالتفت إلى نفسه، ووجد أن لا ولد له، يؤنسه فى وحدته، ويشد ظهره فى غربته، فسأل ربه أن يرزقه ولدا صالحا، تقربه عينه حين يراه مؤمنا بربه، لا تختلف بينه وبينه السبل، كما اختلفت من قبل بينه وبين أبيه، هو.
«فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ» واستجاب الله لإبراهيم دعاءه، وجاءته البشرى من الله سبحانه بهذا الولد الذي طلبه، وأنه «غلام حليم» .. رزين العقل، راجح الرأى، يستدل بعقله على مواقع الحق فى كل أمر يعرض.. وحسب المرء- كمالا، وصلاحا- أن يكون معه عقل سليم، وإدراك صحيح.. والحلم ضد الجهل..
قال الشاعر.
أحلامنا تزن الجبال رزانة ... وتخالنا جنّا إذا ما نجهل
والجهل من واردات العقل السقيم، والإدراك القاصر.
هذا، ولم يرد فى القرآن الكريم أن وصف الله أحدا بالحلم غير إبراهيم، وهذا الولد الذي بشر به، وهو إسماعيل عليه السلام.. فقال تعالى:«إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ»(٧٥: هود) وهذا يعنى أن هذا الغلام، هو على صورة أبيه إبراهيم، فى كمال عقله، وسلامة إدراكه.
«فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى؟ قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ»