للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: إن قول إسماعيل حين قرن مشيئة لله بما سيكون عليه من صبر مضاف إلى صبر الصابرين- قد كان سببا فى أن وفّاه الله جزاء الصابرين كاملا، فنجاه من هذا البلاء، وفداه بالذبح العظيم، على حين أن موسى عليه السلام، إذ قرن مشيئة الله بما وعد به العبد الصالح من الصبر، وخص بهذا الصبر نفسه فقال:

«سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً» - لم يعط الصبر الذي ينال به ما طلب من صاحبه، من علم، بل تفرقت بينهما سبل بعد ثلاث مراحل على هذا الطريق الذي سلكاه معا..

قوله تعالى:

«فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» أسلما: أي استسلما لأمر الله، ورضيا حكمه فيهما.

تلّه للجبين: أي طرحه على التلّ: والتلّ: المكان المرتفع، كهضبة أو نحوها.. والجبين. الجبهة.. والمعنى: أنه لما أن امتثل الولد ما دعاه إليه أبوه، وأسلما أمرهما إلى الله، وأسلم وجه ابنه للتلّ، أي وضع وجهه عليه، حتى لا يرى بعينيه عملية ذبحه، ناداه ربّه: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا- لما حدث كلّ هذا، قبلنا نذره، وتقبلنا قربانه، وجزيناه الجزاء الأوفى.. «إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» - أي فمثل هذا الجزاء العظيم نجزى أهل الإحسان..

فجواب «لمّا» فى قوله تعالى: «فَلَمَّا أَسْلَما» محذوف، دلّ عليه قوله تعالى «إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» ..

وعلى هذا يكون قوله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا» واقعا فى حيّز «لمّا» وهذا الذي ذهبنا إليه يخالف الرأى الذي عليه المفسرون، وهو أن جواب «لمّا» واقع تقديرا بعد «أسلما» .. ويكون قوله تعالى: «وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>