«ويقال أيضا: إن الله سبحانه لمّا ذكر قصة إبراهيم وابنه الذبيح فى سورة الصافات قال: «فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ..» ثم قال تعالى: «وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ» .. فهذه بشارة من الله تعالى، له، شكرا على صبره على ما أمر به.. وهذا ظاهر جدا فى أن المبشر به غير الأول، بل هو كالنصّ فيه..
«فإن قيل: فالبشارة الثانية وقعت على نبوته.. لمّا صبر الأب على ما أمر به وأسلم الولد لأمر ربه، جازاه الله على ذلك بأن أعطاه النبوّة- قيل: البشارة وقعت على المجموع، على ذاته ووجوده، وأن يكون نبيا، ولهذا نصب «نبيا» على الحال المقدر، أي مقدرا نبوّته، فلا يمكن إخراج البشارة من أن تقع على الأصل، ثم تخصّ بالحال الجارية مجرى الفضيلة.. هذا محال من الكلام.. بل إذا وقعت البشارة على نبوته، فوقوعها على وجوده أولى وأحرى..» .
ثم يمضى ابن تيمية فيقول:
«وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى، سمّى الذبيح حليما.. يشير إلى قوله تعالى: «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ» لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح، طاعة لربه.. ولما ذكر إسحق سماه «عليما» .. فقال تعالى:«وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ»(٢٨: الذاريات) .