ولهذا، فإنه عليه السلام، ما إن يرى هذه الخيل تطلع عليه فى جمالها وروائها وروعة منظرها، حتى يلقى نفسه بهذا اللوم:«إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي» ! أي لقد آثرت حبّ الخير الدنيوي، على ذكر ربّى.. فهذا الحب للخيل، هو شهوة متمكنة فى النفس، وهو فتنة من فتن الدنيا، كما يقول سبحانه:«زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ.. ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ» . وللخيل فى ذاتها شهوة كشهوة المال، ولها فى النفوس موقع لا يعرفه إلا من عرف الخيل وشغف بها، وخاصة فى حياة البادية، التي ترى الخيل فيها وجها من وجوه الجمال والحسن، فى هذه المواقع المجدبة المكفهرة التي لا يلمح فيها الحسن إلا لمحات خاطفة..
وهذا ما تحدثنا به الحياة العربية- وخاصة فى الجاهلية- وما كان للخيل فيها من علقة بالنفوس، وهوى فى الأفئدة، حتى لقد عرفت الخيل بأسمائها، كما يعرف الأبطال، ومشاهير الفرسان. وحتى لقد كان للخيل أنساب كأنساب القبائل والعشائر، وحتى لقد وسعت اللغة العربية من الكلمات فى أوصاف الخيل، وفى وصف كل عضو من أعضائها، وكل شية من شياتها- ما لم يكن يجتمع لشىء آخر غيرها من حيوان أو إنسان.. ولهذه العناية العظيمة بشأن الخيل عند العرب والاحتفاء بها، كان ذلك النتاج العربي من كرائم الخيل وأصائلها، والتي لا تزال محتفظة بمكانها فيه، فوق عالم الخيل إلى اليوم.
وفى الشعر العربي ديوان كبير، يتمدح فيه الشعراء بالخيل، ويتغنون بها، ويكشفون عن مشاعرها، وأحاسيسها فى الحرب، وفى السلم.. كما نرى فى شعر عنترة، وعمرو بن كلثوم، وامرئ القيس.. وغيرهم..
يروى أن عربيا كان يملك فرسا اسمها «سكاب» وكانت من كرائم،