الخيل.. وقد سامه أحد أصحاب السلطان أن يشتريها منه، أو أن يهبها له، إن ضنّ يبيعها، وارتفع بقدرها عن أن تنزل منازل السلع، فلم يجد العربي بدّا من أن يدفع هذا المكروه، متلطفا متوسلا بقصيدة يقول فيها.
أبيت اللّعن إن سكاب علق ... نفيس لا يعار ولا يباع
مفدّاة مكرمّة علينا ... نجاع لها العيال ولا تجاع!
فحبّ سليمان عليه السلام للخيل، هو من هذا الحبّ، خاصة وهو مولود فى بيت ملك، تربّى من صغره على الفروسية..
ونعود إلى القصة فنقول: إن سليمان- عليه السلام- إذ يقول هذا القول:
«إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي» . إنما هو مراودة بينه وبين نفسه، وخاطر من خطرات اللوم يدفع بها الزهو والعجب عنه، وهو مواجهة هذه الفتنة، ثم هو مع هذا يمضى فيما هو فيه، ولا يقطع مراسم هذا الحفل العظيم الذي احتشد له رؤساء القوم وسادتهم فى هذا الاستعراض العظيم لجيشه مشاة وفرسانا.. وإنه لا بأس من أن يمضى فيما هو فيه الآن، ثم ليكن له بعد هذا حساب مع نفسه، وتدبير فيما يكون منه فى شأن هذه الخيل وغيرها، مما يشغل منه وقتا يقطعه فترات عن ذكر الله، بالاشتغال بهذا المتاع..
وهكذا ظل- عليه السلام- يستعرض الخيل، حتى دخل الظلام، فتوارت عن نظره بالحجاب، أي حجاب الظلام.. فلم يعد يرى ملامحها، ويتحقق من شياتها، وما ينكشف لعينيه من أعضائها، التي تعطى الصفة الملاءمة لكل جواد منها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ» أي أنه- عليه السلام- ما زال ينظر إليها، ويستعرض بعينه تناسب أعضائها، وتناسق ينائها، حتى توارت عنه بهذا الحجاب الذي أرخاه الليل عليها، إذ أن عرضها