مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآية السابقة عليها قد كانت دعاء من الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- إلى ربه أن يفصل بينه وبين قومه، فيما اختلفوا فيه عليه، وفى تكذيبهم إياه- فجاءت هذه الآية، وكأنها استجابة لدعوة الرسول.. فها هو ذا يوم الفصل، وها هم أولاء الذين ظلموا يساقون إلى جهنم، ويطلبون الشفعاء فلا يجدون شفيعا، ويستصرخون ولا صريخ لهم إلا زبانية جهنم، يدعّونهم إلى النار دعّا..
فلو أنه كان بين يدى أحدهم ما فى الأرض جميعا، ومثل ما فى الأرض مضافا إليه، لافتدى به نفسه من عذاب هذا اليوم، ولوجد ذلك صفقة رابحة له.. وهذا مثل قوله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ»(٩١: آل عمران) ..
وقوله تعالى:«وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ» - إشارة إلى ما ينكشف للمشركين والضالين فى هذا اليوم، مما لم يكن يقع فى حسبانهم..
ففي هذا اليوم يرون أن ما كانوا يعبدون من دون الله، هو ضلال فى ضلال، ويرون أعمالهم التي زينها لهم الشيطان، وجوها منكرة، تطلع عليهم بالويلات والحسرات.. وأكثر من هذا، فإنهم يرون هذا الهول الذي يلقاهم من جهنم، مما لم يقع فى خيال، أو يخطر على بال..
كما يرون أناسا كانوا يسخرون منهم ويستهزئون بهم قد لبسوا حلل النعيم، ونزلوا منازل الرحمة والرضوان، على حين يشهدون سادتهم وكبراءهم ممن كانوا ينزلونهم منازل الآلهة، وقد قطّعت لهم ثياب من نار، يصبّ من فوق رءوسهم الحميم.. يصهر به ما فى بطونهم والجلود.. ولهم مقاطع من جديد.. كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمّ أعيدوا فيها ...