إن معارف الناس، وتصوراتهم وأخيلتهم فى هذه الدنيا، لا تكاد تلتقى مع شىء من أمور الآخرة، وإن كان المؤمنون بالله أكثر تصورا لها، وأقرب إدراكا لمجملها..
روى أن بعض الصالحين حين حضره الموت، فزع واضطرب، فسئل فى هذا، فقال: ذكرت قول الله تعالى: «وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ» فما أدرى ماذا يبدو لى من الله وأنا مقدم عليه!.
قوله تعالى:
«وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» .
هو معطوف على قوله تعالى:«وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ» - من عطف الخاص على العام.. فمما يبدو للظالمين- مما لم يكونوا يحتسبونه- هو سيئات ما كسبوا، حيث يبدو كسبهم الذي كسبوه، وعملهم الذي عملوه فى الدنيا، ضلالا فى ضلال، وسوءا إلى سوء. وخسرانا إلى خسران، مع أنهم كانوا يحسبون أن هذا الذي يعملون، هو الحق، وهو الخير.. والله سبحانه وتعالى يقول:«قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» .. (١٠٣- ١٠٤: الكهف) وقوله تعالى: «وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» ..
حاق بهم: أي نزل بهم، واشتمل عليهم.. وأصله من الحقّ..
ومعنى هذا، أن الحق الذي كانوا يستهزئون به قد جاء ليحاكمهم، وليقتصّ منهم لجنايتهم التي جنوها عليه، بالانتصار للباطل، ومحاربة أولياء الحق..