وفى الإشارة إلى مجتمع الجاهليين جميعا، وفيهم المؤمنون والمشركون- فى الإشارة إليهم بهؤلاء، بدلا من أن يقال من قومك، أو من المشركين أو نحو هذا- ما يدل على أن الظالمين معروفون لكل من ينظر إليهم، وأنهم بحيث يشار إليهم باليد، واحدا واحدا..
أي ألم يكن لهؤلاء الضالين نظر فى تصريف الله وتدبيره؟ إنهم لو نظروا نظرا عاقلا مستهديا، لعلموا أن الله سبحانه «يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ» أي يوسعه ويكثره لمن يشاء، «ويقدر» أي يقبضه ويقلله لمن يشاء، بحكمة الحكيم، وتدبير العليم..!
وهذا الاختلاف فى حظوظ الناس من الرزق، هو الذي يضبط ميزان الناس فى الحياة، ويجعل لحياتهم هذه الطعوم المختلفة، وتلك الألوان المتباينة، التي بغيرها لا تكون الحياة حياة، ولا الناس ناسا.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ.. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ.. وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ»(١١٨- ١١٩ هود) .
فهذا الاختلاف بين الناس فى الرزق، هو الذي يدفع موكب الحياة، ويبعث الناس إلى الجدّ والتحصيل.. ولو كانوا على درجة واحدة، لماتت نوازع التنافس بينهم، ولخمدت روح الابتكار والتجديد، ولركدت الحياة الإنسانية كما تركد المياه فى المستنقعات! وقوله تعالى:«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» - أي فى هذا التفاوت