للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا سؤال، وهو: لماذا اختلف النظم فى هذا المقطع من الآية الكريمة، فلم يجر على نسق واحد؟ فقال تعالى: «ما وَصَّى بِهِ نُوحاً» ثم قال سبحانه:

«وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى» ولم يجىء النظم هكذا: «وما وصّيناك به» بل جاء هكذا: «وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» ..

فما سر هذا؟

الجواب: - والله أعلم- من وجوه: فأولا أن ما أوحى الله به سبحانه وتعالى إلى النبي من آياته وكلماته، لم يكن مجرّد وصاة.. بل إنه يحمل مع هذه الوصاة المعجزة التي تدلّ على أنه كلام الله، على حين أن ما كان يوحى إلى الأنبياء من وصايا لم يكن كلاما يحمل فى طياته معجزة متحدية.. وهذا هو بعض السر فى كلمة «أَوْحَيْنا» المقابلة لكلمة «وَصَّيْنا» .. إذ أن الوحى فيه إشارات، ولطائف، لا تنكشف إلا لذوى البصائر والأفهام، على خلاف الوصاة فإنها تجىء صريحة واضحة الدّلالة، تعطى كلماتها كلّ ما فيها مرة واحدة.

وثانيا: أن هذا الوحى يحتاج إلى عقل بتدبّر هذه الكلمات الموحى بها، وهذا يعنى أن المبلّغ إليهم هذا الوحى، ينبغى أن يتدبروه ويعقلوه، وأن يستخلصوا منه مواقع العبر والعظات، وأن يأخذوا منه الأدلة والبراهين على ما يدعوهم إليه من الإيمان بالله، واليوم الآخر، والتصديق برسوله، وملائكته وكتبه ورسله..

وهذا يعنى- من جهة أخرى- أن المبلّغين برسالات الرسل السابقين لم يكونوا مطالبين باستخلاص الدليل والبرهان على صدق الرسول، وعلى صدق ما جاءهم به من وصايا، إذ كان مع الرسول آية صدقه التي بين يديه من المعجزة أو المعجزات المادية، التي يمكّن الله سبحانه وتعالى له منها..

<<  <  ج: ص:  >  >>