للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين أن يكونوا على كلمة سواء فيما بينهم من شئون.. فتكون طريقهم واحدة، ووجهتهم واحدة، ويدهم واحدة، وموقفهم واحدا، فلا يذهب كل واحد منهم مذهبا، ولا تركب كل جماعة طريقا.. فهذا من شأنه أن يوهن قوة الجماعة الإسلامية، ويفتّ فى عضدها، ويوقع الشحناء بين جماعاتها وأفرادها..

هذا، ولم تجىء الدعوة إلى وحدة المجتمع الإسلامى، دعوة قاهرة ملزمة، من غير أن يقوم إلى جانبها الوجود الذاتي للإنسان، والهاتف الشعورى المنبعث من ذاته، إلى هذه الوحدة، بل قام مع هذه الدعوة، بل أمام هذه الدعوة، دعوة إلى الشورى بين الجماعة الإسلامية، فى الأمر الذي يعرض لها، ويتطلب وحدة جماعتها.. فهذا الأمر يتلقاه المسلمون جميعا، ويتدارسونه فيما بينهم، ويقلّبون الرأى فيه، وفى هذا العرض للأمر، ما يكشف لهم عن وجه الرأى فيه، وما يأخذون أو يدعون منه.. وعندئذ يكون رأيهم قائما على وجهة واحدة، هى الوجهة التي رضيها الجميع، ونسجوا رايتها من تلك الخيوط التي اجتمعت من آرائهم، فكان لكل إنسان مكانه من هذه الراية التي يسير تحت ظلها.. وبهذا تكون مسيرة المسلمين تحت هذه الراية، مسيرة ينتظمها شعور واحد، ويحكمها رأى واحد، وتحتويها عزيمة واحدة، فيكون منهم بهذا نسيج واحد متلاحم، أشبه بنسيج هذه الراية التي تشكلت من مجتمع آرائهم.

وهذا هو بعض السر فى أن جاء النظم القرآنى: «وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ» بدلا من أن يجىء مثلا هكذا: وكانوا أمة واحدة، أو مجتمعا واحدا.. ذلك أنه لن تكون الأمة أمة واحدة، ولن يكون المجتمع مجتمعا واحدا، إلا إذا توحدت المشاعر، ولن تتوحد المشاعر، إلا إذا تلاقت الآراء وتوحدت، ولن تتلاقى الآراء وتتوحد، إلا مع عرضها، وتنخّلها، وذلك لا يكون إلا بالتشاور بينهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>