من كلمات الله وآياته، التي يتلقاها وحيا من ربه- ليس هذا الفهم الخاص بالذي يعزل هذه الآيات أو الكلمات عن آيات القرآن وكلماته.. إذ أن هناك آيات وكلمات، تختلف مفاهيم أهل اللغة فيها، وفى تحديد دلالتها، وهى من المتشابه الذي أشار إليه سبحانه وتعالى فى قوله:«هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ.. وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ.. فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ»(٧: آل عمران) - ومع ذلك فهى قرآن يقرأ ويتعبد به.
وثانيا: حكمة هذه الحروف المقطعة- وهى المتشابه- أنها دعوة إلى الايمان بالغيب، والتسليم بالتعبد بهذه الأحرف، دون أن يكون للعقل سلطان معها، بعد أن استوفى العقل حقّه، وأعمل كلّ سلطانه مع المحكم من الآيات، واستبان له- بما لا يدع مجالا للشك- أنها من عند الله.. فكان حمله على الإيمان بما لا مفهوم له عنده من كلمات الله، وإحالة ما لم يفهمه على ما فهم- كان ذلك دعوة مجددة له إلى الإيمان القائم على الولاء والتسليم المطلقين..
فذلك هو الإيمان فى صميمه، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى:«وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» .. وهذا ما نجده فى بعض أعمال الحج التي يقف العقل أمامها دون أن يجد لها مفهوما يلتقى مع منطقه..
كالطواف، والسعى، ورمى الجمرات، ولمس الحجر الأسود أو تقبيله.. وهذه كلها، وكثير غيرها من أعمال الحجّ، هى من الإيمان القائم على التسليم المطلق لأمر الله، وبمعزل عن سلطان العقل، بعد أن امتلأ القلب إيمانا ويقينا بما تلقى من العقل من إشارات مضيئة من الحجج والبراهين، أضاءت له معالم الطريق الى