الاختلاف بين الناس فى حظوظ الحياة، هو الذي جعل لكل واحد منهم مكانه فيها.. فهذا خادم، وذاك مخدوم، وذلك مرءوس، وهذا رئيس..
وهذا ينسج وذلك يلبس، وهذا يخبز وذاك يأكل.. وهكذا.. كلّ إنسان يخدم ويخدم، من طريق مباشر أو غير مباشر:
الناس الناس من بدو ومن حضر ... بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
قوله تعالى:«وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» .. الرحمة هنا هى القرآن الكريم، الذي هو رحمة من رحمة الله، التي أشار إليها سبحانه فى قوله:«أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ» فهذا القرآن، وما يحمل إلى الناس من خير، هو خير من كل ما يجمع الناس جميعا من مال، وما يقتنون من متاع، وما يرزقون من بنين..
تكشف هذه الآية وما بعدها عن الطبيعة البشرية التي يستهوبها حبّ المال، وتفتنها شهوته.. فالنّاس جميعا- إلا من عصم الله- أضعف من أن يقاوموا شهوة المال، وأن يقهروا سلطانه المتمكن من نفوسهم..
وفى قوله تعالى:«وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ» بيان لتجربة عملية يمكن أن يمتحن بها الناس، ويرى فيها هذا الطبع الغالب عليهم، من حبّ المال وفتنته.. وتلك التجربة هى أن يساق المال بغير حساب، لكل من يكفر بالرحمن، حتى يتخذ هؤلاء الكافرون لبيوتهم سقفا من فضة، ومعارج- أي سلالم- من فضة، عليها