إبراهيم هو الذي أنشأه وأقامه.. فهو أقدم من إبراهيم بأزمان بعيدة، وفى هذا يقول الله تعالى:«وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»(١٢٥ البقرة) ..
ففى قوله تعالى:«وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ» إشارة إلى أنه كان بيتا لله قبل أن يعهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل بتطهيره من الأوثان التي عبدها العابدون فيه.. ثم يقول الله تعالى:«وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ..»(١٢٧: البقرة) .
وفى هذا إشارة أخرى إلى أن البيت كان قائما على قواعد، وأنها كانت إلى عهد إبراهيم وإسماعيل قد تهدمت.. فكان عمل إبراهيم وإسماعيل فيها هو إقامتها على أصولها التي كانت عليها.
رابعا: فى اشتراك إسماعيل مع أبيه إبراهيم فى إقامة هذا البيت، وتطهيره من الأوثان.. إعداد- كما قلنا- للرسالة المحمدية، التي ستكون ميراثا خالصا له من أبويه الكريمين: إبراهيم وإسماعيل.
من هذا يبدو أن الرسالة الإسلامية المحمّدية كانت هى الفلك الذي تدور فيه رسالات الأنبياء والمرسلين، وأنها الجامعة التي تجتمع إليها جميع الرسالات، وتلتقى عندها، كما أنها كانت هى المنبع الذي فاضت منه عيونها، والكوكب الذي استمدت منه شعاعاتها.. فالرسالة الإسلامية المحمدية هى المبدأ والختام، بدأت كما يبدو الهلال، يكبر ليلة بعد ليلة، حتى يتم تمامه ويصير بدرا، ففى كل نبوّة، وبين يدى كل نبى، قبسة من أقباس الإسلام، وضوءة من أضوائه، حتى جاء صاحب الرسالة الإسلامية، محمد ابن عبد الله، فوضعها الله بين يديه، على أتم تمامها، وأكمل كمالها.