ما كان من إعراض هذا الضال عن آيات الله، وعن العلم الذي جاءه منها..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ»(١١٥: التوبة) وقوله سبحانه: «فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ.. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ»(٥: الصف) .
وقوله تعالى:«وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ» - معطوف على قوله تعالى:
«وَأَضَلَّهُ اللَّهُ» أي وأضله الله إذ دعاه إلى الهدى فلم يستجب لدعوته، وختم على سمعه وقلبه، أي أغلقهما، وأطبقهما على ما فيهما من ضلال، فلم تنفذ كلمة الحق إلى أذنه، ولم يدخل نور الهدى إلى قلبه..
فالختم على الشيء: إغلاقه على ما فيه..
وقوله تعالى:«وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً» .. الغشاوة ما يغشى العين من ظلام، فيحجبها عن أن ترى الأشياء رؤية كاشفة.. وهذا من الأدواء التي رمى الله سبحانه وتعالى بها أهل الضلال، حيث يحجب أبصارهم عن النظر فى آيات الله، نظرا يكشف ما فيها من حق، وهدى، يهدى إلى الله، وإلى طريق مستقيم..
وقوله تعالى:«فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ» ؟ أي أنه لا سبيل إلى هداية هذا الإنسان التعس الشقي، بعد أن أضله الله سبحانه وتعالى، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة! إن الله سبحانه قد رماه بهذه الآفات، وحال بينه وبين أن ينال خيرا من هذا الخير الممدود على مائدة الهدى..
فمن ذا الذي يمكن أن يرد بهذا الضال موارد الهدى؟ ومن ذا الذي يفضّ هذا الختم الذي ختم الله به على سمعه وقلبه؟ ومن ذا الذي يرفع هذه الغشاوة التي ضربها الله على بصره؟ والله سبحانه وتعالى يقول:«مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً»(١٧: الكهف)