وهناك فى أخريات الليل، توافد القوم أفرادا على هذا المكان، حتى إذا اكتمل جمعهم، وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين- كما يقول ابن إسحاق- تحدث إليهم الرسول الكريم، وتلا عليهم ما تيسر من آيات الله، ثم أقبلوا يبايعون رسول الله، على الإيمان بالله، والسمع والطاعة فى المكره والمنشط، والجهاد فى سبيل الله، وأن يمنعوا رسول الله يمنعون منه أنفسهم وأهليهم..
وهكذا تلتقى بيعة العقبة الأولى بليلة الجن فى «نخلة» ويستقبل النبىّ الكريم فى ليلة العقبة نفرا من الإنس، وقد صرفهم الله سبحانه وتعالى إليه ليستمعوا القرآن، فلما حضروه واستمعوا إليه، آمنوا به، ثم ولّوا إلى قومهم منذرين..
وكما أن النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- لم ير الجن. ولم يعرف وجوههم، فإنه صلوات الله وسلامه عليه، لم يكد يرى شخوص هؤلاء النفر من الإنس، أو يعرف وجوههم، إذ جاءوا إليه فى ستر من الليل وفى تهامس وتخافت، أشبه بالحجاب المضروب بينهم..
ومن جهة أخرى، فإن فى قوله تعالى على لسان الجن:«يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ» - فى هذا إشارة أخرى إلى بيعة العقبة، وإلى تلك الدعوة التي حملها أهل البيعة إلى قومهم بالمدينة، حيث مجتمع اليهود، وحيث كان كتاب موسى «التوراة» هو الكتاب السماوي الذي يعرف أهل المدينة شيئا عنه، مما كان يحدث به اليهود عن كتابهم، وعن نبيهم موسى عليه السلام.. ولا شك أن حديث أصحاب البيعة إلى قومهم إنما كان يحمل إليهم مع أنباء النبي الجديد الذي ظهر فى العرب، ومعه كتاب منزل من ربه، يتلوه على الناس- كان يحمل إليهم مع هذا حديثا مقارنا لهذا