ولعلّ هذا هو السرّ، فى اختصاص كتاب موسى بالذكر، دون الإنجيل، وهو أقرب عهدا بالقرآن..!!
ومن عجب أننا لا نجد أحدا من المفسرين فيما بلغ علمنا- قد التفت إلى ما وراء ليلة الجن هذه، وما تومىء إليه من اتجاه مسيرة الدعوة الإسلامية، بعد تلك الليلة، وما بينها وبين بيعة العقبة من مشابه، وخاصة بعد أن أصبحت بيعة العقبة أمرا واقعا، يأخذ مكانه البارز فى حياة الدعوة الإسلامية..
من عجب ألا يلفت أحد من المفسرين إلى شىء من هذا، على حين اتسع لهم مجال القول، وانفسحت أمامهم آفاق الخيال.. فتحدثوا أحاديث عجبا عن هذا النفر من الجنّ الذين استمعوا إلى الرسول، فذكروا عددهم، وأسماءهم واحدا واحدا، والقبيلة التي ينتسبون إليها من قبائل الجنّ، والوطن الذي يعيشون فيه، وهو «نصيبين» من أرض الشام.. إلى غير ذلك من الأخبار التي تنطق الآيات القرآنية بكذبها.. فالقرآن يحدّث بأن النبي صلى الله عليه وسلم، لم ير لهؤلاء الجن وجها، ولم يحس لهم ركزا، حتى جاءه خبر السماء بقوله تعالى:
فهذا إخبار للنبى بأمر لم يقع منه موقع الحس والمشاهدة.. وأكثر من هذا ما نجده فى قوله تعالى:«قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً» .. فهذا خبر صريح بأن النبي لم يكن يعلم من أمر هذا النفر من الجن شيئا، وأن الله سبحانه قد أوحى إليه بأن الجن قد استمعوا إليه» .. فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً» .. فعلم النبي عن هؤلاء الجن إنما كان بما أوحى إليه الله سبحانه وتعالى من خبرهم، وما أعلمه من أمرهم..