ذلك أن الله سبحانه، أفاض على اليهود من أفضاله، ومنحهم من نعمه ما لم يمنحه أحدا من العالمين.. امتحانا وابتلاء. فلما مكروا بآيات الله، وعصوا رسله، وقتلوا من قتلوا من أنبيائه، وأعنتوا من أعنتوا منهم- أخذهم الله بالبأساء والضرّاء، وساق إليهم نقمه، وشملهم بسخطه، وصبّ عليهم لعنته- وفى هذا يقول الله تعالى فيهم:«فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ»(١٣: المائدة) .
أما نحن- أمة الإسلام- فقد فضل علينا بهذا الفضل، وجعله حكما قائما فينا أبدا:«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» ولن ينقض أبدا هذا الحكم الذي حملته كلمات الله.
وقوله تعالى:«تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» بيان للصفات التي استحق بها المسلمون أن يكونوا «خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» فمن رسالة هذه الأمة ألا تحتجز الخير لنفسها، ولا تستأثر به حين يقع ليدها، بل تجعل منه نصيبا تبرّ به الإنسانية كلها، وتشرك الناس جميعا معها، فيه.
ذلك شأنها فى كل خير تصيبه.. فإذا أصاب المسلم مالا، جعل فيه للفقراء والمساكين نصيبا، وآتى منه ذوى القربى واليتامى، وأنفق منه فى سبيل الله، وفى إعلاء كلمة الحقّ.. وإذا أصاب هدى من الله، وعرف طريقا إلى الحق، لم يجد لذلك مساغا إلا إذا وجّه الناس إليه، ودلّهم عليه، ولو احتمل فى سبيل ذلك الضرّ والأذى، وعرض نفسه للتلف والهلاك، شأن الطبيب