طبيعتها البشرية- إفرازات العواطف، والنوازع، والمشاعر، واستقبال كل ما هو مختزن فى الضمائر، ومستودع الصدور؟ إنه لو كشف للناس عما طوبت عليه صدورهم، لما جمعتهم جامعة أبدا، ولما التقى أحدهم بالآخر إلا على عداوة، وعدوان.. وفى هذا يقول أبو العتاهية الشاعر:
أحسن الله بنا ... أن الخطايا لا تفوح
أي أنه لو كان للذنوب التي نقترفها آثارا مادية تعلق بصاحبها، وتكشف للناس أمره، لكان ذلك، ابتلاء عظيما.. ولكن الله أحسن إلينا، إذ عافانا من هذا البلاء.
فقوله تعالى:«وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ» - هو خطاب للنبى، وتهديد للمنافقين الذين ظنوا أن الله سبحانه لن يفضح نفاقهم، وينزع عنهم هذا الثوب الزائف الذي لبسوه، وظهروا به فى سمت المؤمنين.. فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يخرج نفاق المنافقين من طوايا أنفسهم، وينسج منه وجوها يلبسها هؤلاء المنافقون بدلا من تلك الوجوه الآدمية التي لهم.. فإذا أطلّ أحد المنافقين بوجهه هذا الذي نسجه له الله سبحانه، من نفاقه- قال الناس جميعا: هذا منافق.. ولكن الله سبحانه لم يفعل هذا بالمنافقين، ليكونوا هكذا، فتنة للناس وتقريرا لهم بأنفسهم..
والسيما: السّمة، والعلامة..
وقوله تعالى:«وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» .. هو معطوف على محذوف، تقديره: وإذ لم يشأ الله تعالى أن يريك- أيها النبي- المنافقين لتعرفهم بسيماهم، فإنه مطلوب منك أيها النبي أن تتعرف إلى المنافقين بنظرك الشخصي، وإنك