القبول والتسليم من المؤمنين، من غير تبصر أو تمحيص، لأفسد عليهم أمرهم، ولنزع الثقة والطمأنينة من بينهم..
فما أكثر ما كان يلقى به المنافقون، واليهود، فى محيط المسلمين من أكاذيب وأراجيف وشائعات، الأمر الذي يقضى على المسلمين بأن يمحصوا هذه الأخبار، وألّا يأخذوها مأخذ القبول والتسليم دون نظر فاخص لها..
وفى قوله تعالى:«فاسِقٌ» .. إشارة إلى أن المقولة إنما ينظر فيها إلى صاحبها الذي وردت منه، فإن كان من أهل الإيمان والثقة استمع لقوله، وأخذ به، وإن كان ممن يتهّم، استمع إليه ووضع قوله موضع التمحيص، فلا يحكم على قوله بالردّ ابتداء، فقد يكون فى قوله صدق، أو شىء من الصدق ينتفع به المسلمون..
وقوله تعالى:«أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ» هو بيان.. للعلة التي من أجلها كان الأمر بالتبين والتثبت لما يجىء للمسلمين من أنباء يحملها قوم لم يعرفوا فى المسلمين بالصدق، ووثاقة الإيمان..
وقوله تعالى:«بِجَهالَةٍ» إلفات للمسلمين إلى ألّا يقيموا أمرا من أمورهم على جهل، وعلى عدم رؤية واضحة لهذا الأمر، فذلك من شأنه إن أصاب مرة أن يخطىء مرات كثيرة.
وقوله تعالى:«فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ» أي أن الأخذ بالنبإ الوارد من فاسق قبل التثبت منه، يعود على المسلمين بالحسرة والندم، لأنهم وضعوا الأمر فى غير موضعه، ورتّبوا على هذا القول الكاذب أمورا لا يمكن إصلاحها بعد أن وقع عليها ما وقع.