فالمسلمون، وقد فرغوا أو كادوا يفرغون من مواجهة العدو الذي كان يحيط بهم من المشركين، واليهود، والمنافقين- فإن ذلك من شأنه أن يتيح فرصة لطبيعة العدوان فى النفس البشرية، فإذا لم يجد المسلمون من يقاتلون من أعدائهم، لم يسلم الأمر من أن يقع الشر بينهم هم أنفسهم، ويقاتل بعضهم بعضا.. فتلك هى الطبيعة الإنسانية، والتي يمثلها قول الشاعر الجاهلى، وهو يتحدث عن الخيل التي أعدّها قومه للغارات:
وكنّ إذا أغرن على جناب ... وأعوزهنّ نهب حيث كانا
نزلن من الرّباب على حلول ... وضبّة إنه من حان حانا
وأحيانا على بكر أخينا ... إذا ما لم نجد إلا أخانا!!
ومن هنا نبه القرآن الكريم إلى حماية المسلمين من هذا الشر الذي قد يرد عليهم من ذات أنفسهم، ولم ينبه إلى عدم وقوع الشر والقتال أصلا، لأن ذلك مما لا تحتمله النفوس احتمالا لازما مطلقا..
فالقرآن يسلّم- وإن كان ذلك على غير ما لا يرضاه للمؤمنين- يسلّم بالأمر الواقع فى الحياة، ويفترض وقوع القتال بين المؤمنين، ولكنه يدعو إلى إطفاء وقدة هذا الشر، ويدعو المسلمين جميعا إلى المشاركة فى إخماده، قبل أن يتسع، ويستغلظ.
فيقول سبحانه وتعالى:«وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما» .. فهاتان طائفتان من المؤمنين، قد وقع بينهما قتال، وهم مع هذا القتال مؤمنون، لم يخرجهم القتال عن الإيمان..
إنهم مؤمنون، وإن كانوا على هذا المكروه.. وواجب المؤمنين حينئذ،