أصابهم من تلك الصحبة.. إنهم يحبون من لا يحبهم، بل ومن يبيّت لهم الشر، ويدبر العدوان! وقوله تعالى:«وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ» إشارة ثانية إلى تلك الصحبة غير المتكافئة، فالمسلمون الذين يوادّون هؤلاء القوم، يؤمنون بالكتاب كله، أي بكتب الله المنزلة على رسله، وهى فى مجموعها كتاب واحد، هو كتاب الله- وهؤلاء القوم لا يوادّون المؤمنين، ولا يؤمنون إلا بالكتاب الذي فى أيديهم، ويكفرون بجميع الكتب السماوية، ومنها القرآن.
وقوله:«وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ» سبب ثالث للمباعدة التي ينبغى أن تكون بين المسلمين وبين هذه الجماعة.. إنها تعيش مع المسلمين على نفاق.. يعطونهم بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم.. يظهرون لهم أنهم على دينهم، وأنهم على وفاق معهم.. فإذا خلا بعضهم إلى بعض لبسوا الثوب الذي أخفوه فى طيات نفاقهم وملّقهم، وأخذوا يدبّرون المكايد والمعاثر للإسلام وللمسلمين.
وفى قوله تعالى:«قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ» ما يملأ قلوب هذه الجماعة المنافقة اللئيمة كمدا وحسرة.. إنها لن تنال من الإسلام والمسلمين منالا، كما أن فى هذا تطمينا للمؤمنين، بهذه البشرى السماوية التي كتب الله بها النصر للإسلام وأهله، والخزي والسوء على أعدائه ومناوئيه.
وفى قوله تعالى:«إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً» إرهاص بما سيصيب المسلمين فى جهادهم فى سبيل الله، من نصر وهزيمة.. وأنهم فى حال انتصارهم على أعدائهم تفيض نفوس هذه الجماعة المنافقة حسرة وألما، وفى حال هزيمتهم تطير قلوبهم فرحا وطربا..