«وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ» أي، وانظروا فى السماء، فهى أوضح صورة، وأجلى بيانا مما فى الأرض أو فى أنفسكم.. إن فيها أسباب رزقكم، وملاك حياتكم، بما ينزل منها ماء، وما يجرى فيها من شمس، وقمر، وكواكب، ونجوم.. بل إن فيها عرش الله، وفيها ملائكته، وفيها مقدّرات الأمور.. فكل ما يجرى على الناس وغيرهم من شئون، هو منزّل من علوّ. كما يقول سبحانه، «وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً»(١٣: غافر) وكما يقول جل شأنه: «يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ»(٢: النحل) .. والتنزيل لا يكون إلا من جهة عالية.. فالسماء هنا، إشارة إلى جلال الله، وعظمته، وعلوّ مقامه، وقيومته على هذا الوجود..
قوله تعالى:
«فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.. إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ» بعد أن أقسم الله سبحانه وتعالى ببعض مخلوقاته، توّج هذه الأقسام جميعها بالقسم بذاته العلية جلّ شأنه، واصفا ذاته الكريمة، بأنه رب السموات والأرض ومدبّر أمرهما.. والمقسم عليه هنا، كلّ ما وقعت عليه الأقسام السابقة، من صدق ما يوعد الناس به من بعث ودينونة، وحساب وجزاء، وما جاء من أخبار عن نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار، ثم ما أخبر به جل شأنه، من أنه المالك للأرزاق، والمقدّر لها، كما أنه مالك يوم الدين، وما يلقى الناس فى هذا اليوم..