فقدم ما بشّروا به من أمداد السماء، وهو المشار إليه بالضمير فى «به» على القلوب لأنه هو المطلوب لها.. أما فى آية آل عمران، فهو تذكير بهذا الحدث، فجاء ذكره على الأسلوب الذي يقتضيه النظم المعتاد فى لغة العرب.. الفعل، فالفاعل، فالمتعلقات:«وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ» .
ويشبه هذا ما جاء فى قوله تعالى هنا فى آل عمران:«وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» وما جاء فى سورة الأنفال: «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» .
وأحسبك لا يخفى عليك الحال الداعي لاختلاف الأداء اللفظي فى الآيتين..
ولكن لا بأس من أن نشير إليه، كما أشرنا إلى سابقيه من قبل! ففى آية الأنفال تقرير وتوكيد لعزة الله وحكمته:«إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» ..
وهذا التقرير والتوكيد لازمان فى هذا الموقف، الذي كان يقفه المسلمون فى قلّتهم، وضالة شأنهم إزاء الجيش القوى الزاحف عليهم، فإذا جاءتهم البشرى بنصر الله، محمولة بما وعدهم على لسان نبيّه، ثم أتبعت هذه البشرى بالتذكير بعزة الله وحكمته فى هذا الأسلوب المؤكد «أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» كان لذلك وقعه فى القلوب وأثره فى النفوس! أما فى آية آل عمران، فالشأن مختلف.. إنها حديث عن أمر وقع، رأى منه المسلمون رأى العين كيف كانت عزة الله وكيف كانت حكمته.. فيكفى هنا أن يذكر الله وعزته وحكمته.. «الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» دون توكيد، إذ كان يعيش المسلمون مع الحدث الواقع، الذي هو أثر من آثار عزة الله وحكمته.
وطبيعى أن مثل هذه الفروق الدقيقة فى الصور اللفظية التي تعرض لموضوع واحد، فيقع فى النظم تقديم وتأخير، أو زيادة وحذف- لا يلتفت إليها، ولا يقام لها وزن فى معايير البلاغة، إلا أن يكون ذلك فى نظم القرآن الكريم،