هو تعقيب على قوله تعالى:«إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ» .. أي إنه- لعلم الله بكم أيّها الناس، وبما فيكم من ضعف وعجز عن مغالبة بعض أهوائكم، فإنه- سبحانه- قد أوسع لكم فى رحمته، وتجاوز عن الصغائر واللمم من ذنوبكم، فإنكم مهما اجتهدتم فى تحرّى الإحسان، وفى الاحتفاظ بفطرتكم على نقائها وصفائها فلن تحققوا هذا، وإن حققتم الكثير منه، ولن تبلغوا الغاية وإن قاربتموها.. فالذين يدخلون منكم مدخل الإحسان ويحسبون فى المحسنين، لم يكن ذلك لهم وإنما كان بإحسان الله سبحانه وتعالى إليهم، وتجاوزه عن الكثير من ذنوبهم..
وقوله تعالى:«إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» .. إشارة إلى مقتضى هذه المغفرة الواسعة التي شمل بها بنى الإنسان إذ هم من نبات هذه الأرض، ومن معطيات ترابها، وليسوا من عالم النور.. فهم- والحال كذلك- لن يتخلصوا أبدا من ظلام المادة، ولن يتحوّلوا إلى عالم الرّوح، وهم فى هذه الأجساد المخلّقة من الأرض! وإنه لولا سعة مغفرة الله، لما كان لإنسان أن يكون من المحسنين، الذين يرتفع بهم إحسانهم إلى عالم الحقّ، ولما كانوا من أهله، يوم يقوم الناس لربّ العالمين..
وقوله تعالى:«وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ» .. معطوف على قوله تعالى:«إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» .. فهذه حال أخرى من أحوال الإنسان، تكشف عن ضعفه، وأنه فى يد العجز وأن يد الله سبحانه وتعالى، هى التي أخرجته من هذا الضعف إلى القوة، كما أن مغفرته الواسعة، هى التي أخرجته من عالم التراب، وألحقته بعالم الحقّ والنور..