فى هذا الموقف، القتل، فليوطن نفسه على هذا، فإذا خرج على تلك النّية، كان قوة عاملة من قوى الحق، فلا يحجم عن الإقدام، ولا يفرّ عند اشتداد البأس، ولا يهاب القتل الذي أعدّ نفسه له.. وهذا خير مما لو صور له الموت فى موقف القتال فى صورة مجازيّة، يبدو فيها الموت فى صورة غير صورته التي يلقاه الناس عليها، ثم إذا استقبله المجاهد فى موقف القتال على حقيقته، أنكر ما عرف منه فى تلك الصورة المجازية، والتمس لنفسه السبيل أو السبل التي تباعد بينه وبينه!! ومن جهة أخرى، فإن الذين يقتلون فى سبيل الله، قد كان لهم فى القرآن الكريم ذكر خاص بهم، يشير إلى مقامهم عند الله، وما أعد الله لهم من حياة طيبة فى الدار الآخرة.. وفى هذا يقول سبحانه:«وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»(١٧٠: آل عمران) .. وعن هذا المعنى جاء الوصف لمن يقتلون فى سبيل الله بأنهم شهداء.. إذ كان موتهم لم يقطع الحياة عنهم، فهم أحياء يرزقون عند ربهم، وهم فى مقام عال يشهدون منه ما يجرى فى العالم الدنيوي..!
وعلى هذا يكون قوله تعالى:«وَالشُّهَداءُ» معطوفا على الصديقين، أي:
«وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» أولئك هم الصديقون، وهم الشهداء عند ربهم وقوله تعالى:«عِنْدَ رَبِّهِمْ» متعلق بالصديقين والشهداء، وقع موقع الحال..
وقوله تعالى:«لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ» - خيرثان عن الذين آمنوا بالله ورسله.