هذا الذي وقع فى نفوس المسلمين، حتى إنه جاءه عمر متسائلا، قال له تلك القولة القاطعة الحازمة:«الزم غرزه» أي قف عند حدّك، ولا تراجع فى أمر فعله النبي! وهذا ما جاء به قوله تعالى بعد ذلك، فى القرآن المدنىّ:«وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ»(٣٦: الأحزاب) .
فمن آمن مثل هذا الإيمان أو قريبا منه، فهو من الصديقين.. فصحابة رسول الله، أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، وأبو عبيدة، وعبد الرحمن بن عوف، وكثير من وجوه الصحابة هم من الصديقين، وإن اختلفت منازلهم، فى مقام الصدّيقيّة والشهداء: جمع شهيد وشاهد، وهم الذين آمنوا بالله ورسله، فهم صديقون وهم شهداء عند ربهم، وتلك صفة أمة محمد صلوات الله وسلامه عليه، التي يشير إليها سبحانه وتعالى بقوله:«وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً»(١٤٣: البقرة) كما يصحّ أن يكون معنى الشهداء، هم الذين شهدوا بصدق الرسول، وأسلموا له، حين دعاهم إلى الله، وتلا عليهم آيات الله..
وهذا التأويل للشهداء، هو أولى عندنا من القول بأنهم هم الذين يقتلون فى سبيل الله.. وذلك أن القرآن الكريم لم يغلّب إطلاق لفظ «شهيد» أو شهداء على الذين يقتلون فى سبيل الله، بل غلّب على ذلك لفظ القتل. كما فى قوله تعالى:
«وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»(٧٤: النساء) وكما فى قوله سبحانه: «وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ»(١٥٧ آل عمران) .. وفى استعمال لفظ القتل فى مقام الجهاد فى سبيل الله، ما يكشف للمجاهد عن الموقف الذي يدعى إليه، وأن مما قد يكون