الإشارة هنا إلى كفر الكافرين، وإلى المنزلق الذي دفع بهم إلى الكفر..
فلقد جاءتهم رسلهم بالبينات، أي بالآيات البينة الواضحة، والمعجزات الناطقة التي تشهد بأنهم رسل الله.. ومع هذا فقد أبى القوم إلا ركوب رءوسهم، ثم نظروا إلى تلك الآيات فرأوها وهم فى هذا الوضع المنكوس..
رأوا حقها باطلا، ونورها ظلاما، وهداها ضلالا.. ثم عجبوا أن يكون بشر مثلهم، ورجل منهم، هو الذي يدلّهم على الخير، ويقودهم إلى الحق!! فكفروا به، وبالآيات التي معه، وبالله الذي أرسله..
وقوله تعالى:«فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا» أي أنهم لم يكفروا ويكذبوا بالرسول وحسب، بل تولوا معرضين عن الحق، الذي كان من شأنه- لو تمهلوا قليلا، ولم يستبد بهم العناد- أن يهتدوا إليه بأنفسهم، ولرأوا أن ما يدعوهم الرسول إليه، هو دعوة موجهة إليهم من عقولهم، قبل أن يوجهها الرسول إليهم..
وقوله تعالى:«وَاسْتَغْنَى اللَّهُ» أي أنهم بكفرهم وتولّيهم هذا كأنهم قد استغنوا عن الله، وقطعوا كل صلة تصلهم به، سواء أكان ذلك عن دعوة رسول من عند الله، أو عن دعوة من عقولهم، ولهذا فإن الله قد استغنى عنهم، وطردهم من مواقع الإيمان به..
وفى التعبير عن إعراض الله عنهم، وطرده إياهم- بالاستغناء، إنما هو من باب الردّ عليهم بمثل منطفهم وأنهم إذ قد استغنوا عن الله، فالله قد استغنى عنهم..